خيبة أمل للأديبة إلهام طاهري
خيبة أمل لاتنسى
إلتقيت اليوم بالفتاة الساذجة. سألتها عن خيباتها، وحكت لي واحدة:
لن أسامح أبي. حينما فضل على فلذة كبده باباً زجاجياً. كنت أشاهد فيلمي المفضل، قبل أن تأتي رياحا قوية وتهمس لي أغلقي الباب لكي لا تنكسر زجاجته. قمت من مكاني وبالي مشغول مع الفيلم، أخشى أن تفوتني أي من لقطاته..لأنني أحبه وبشدة.
تعالت الرياح وازدادت شدتها، فارتطم الباب وسقطت زجاجته. كادت أن تسقط على وجهي، فأزحتها بكامل قوتي، لتجرح ذراعي. بل تمزقه. كنت أشاهد سائلاً قرمزياً يسيل من يدي على الأرض، ويبلل ثيابي. سمعت شهقات أمي، مذعورة، لازلت حتى الآن لا أعلم إن كانت عن يدي أم عن الباب الذي يحظى بتقديس من أبي. لا أخفيك سرا يا عزيزتي. لم أأبه ليدي ولا لجرحي العميق. غسلته كما لو أنني أغسل صحناً..ولففته في القماش الأبيض الذي اتسخ بدمائي.
وها قد حان موعد عودة أبي. كنت أنتظر رد فعله هكذا: تبا للباب، هيا إلى الطبيب! لكن كان رد فعله يخالف ما توقعت! قال: من كسر الباب؟ نطقت أمي مسرعة: لقد سقط على يد.. قاطعها! وكيف سقط؟ أجابت: كاد أن يقطع يدها. قاطعها مجدداً بصوت فيه شيء من العتاب وغياب الشفقة عن يدي: وتقطع!! هذه الكلمة لا يزال وقعها في قلبي حتى الآن. حينها شعرت أن الجرح في قلبي، لا في ذراعي. وتمنيت لو أصبحت صماء قبل أن يقع هذا الحوار على مسامعي.
لن أنسى أنني عاقبت نفسي تلك الليلة ونمت على اليد الممزقة. كنت أشاهد تلون الثوب الأبيض بالأحمر وأنا أشعر بالانتصار.. أمام يدي. أذكر أنني رفضت الاعتناء بها، كنت أتغطى بكاملي وأخرج يدي لتشعر بالبرودة لوحدها. أثر الحادث لا يزال عليها، جيد. لكي لا أنسى تلك الذكرى المقرفة. شفيت ولم أكن أودها أن تشفى. لكن خيبتي من أبي، والجرح الذي يقبع في قلبي لا يزال حتى الآن. قلبي أصبح منكسراً كزجاج ذلك الباب الملعون.
لن أنسى يا أبي يوم جعلتني أعاقب يدي وأنام عليها. وهي تبكي دماً. لأرحمها. كنت أتجاهل ألمها لأثبت أنها ليست مني. ولن أنسى يوم جعلت أقصى أحلامي أن أعمل لأشتري لك مئات الأبواب الزجاجية. لأرد بها اعتباري. حينها أصبحت أخشى الاقتراب من الزجاج، ما عدا المرآة التي أراقب بها أثر الخيبة على ملامحي. ولا أنسى أن أبسق فيها في كل مرة قبل أن أغادر. أظن أنك نسيت، لكن أنا لن أنسى. لأنني أضفتها لقائمة خيباتي. أقسم لك من يومها لم أشاهد ذلك الفيلم لأنني لم أعد أحبه أو بالأحرى كرهته. وخوفاً من إحياء الذكرى اللعينة. لن أسامحك بقدر ما كنت أحب ذلك الفيلم، يا أبي...
الهام طاهري
تعليقات
إرسال تعليق