بالعزيمة للشاعرة د.رفيعة الخزناجي
بالعزيمة ...
جلست الحفيدة حذو جدتها قرب المدفأة ، كان الليل باردا ، تدثرت بطرف شالها وهي تبتسم ، وبلطف طلبت منها أن تقص عليها حكاية من حكاياتها الرائعة ؛ نظرت إليه الجدة محركة رأسها بالإيجاب ، ثم شردت لبرهة وكأنها ترقب صورة أمام عينيها ، ثم تنهدت تنهيدات طويلة وقالت :
" الليلة يا ابنتي سأقص عليك حكاية ،نعم حكاية لكنها هي من الواقع وبالتدقيق من واقع عائلتي ، حدثت لنا في أيام والدي رحمه الله وهو من قصها على مسامعي ؛ كان ذلك بقريتنا ، كان جدي يمتلك قطعة من الأرض نصيبه من ميراث أخيه وكانت بجوارها قطعة على ملك أخيه ، وكان البئر الذي يروي القطعتين يمر بأرض أخيه ، كان جدي يعمل بالأرض مع أبنائه بكل جهد وعزيمة ، يناموا مع حلول الظلام ويستيقظون باكرا ، نمت الأرض وازدهرت و أثمرت من الخيرات الشيء الكثير ، وبالمقابل أرض الأخ بقيت قاحلة لا حياة فيها لأنه كان يحبذ البقاء بالبيت والراحة ، وحين رأى أن أرض أخاه أصبحت جنة ، شط غيضا وقرر أن يحرمه من الماء ، فعطشت الأرض و بدأت تذبل نباتاته شيئا فشيئا وتموت ، وحرمه من قوت عياله ، تدخل الجيران والأحباب ولكن دون فائدة ..... مرت الأيام والأرض تعطش وتعطش وجدي يائس لا يعرف ما يفعل ... أخيرا خطر بباله أن يحفر بئرا ، لكن ذلك يتطلب مال وأيادي عاملة ، وبعد تفكير طويل قرر أن يحفر البئر لوحده مع أبنائه ، بدأوا بالحفر وجاء الجيران وساعدوهم ومن نعم الله عليهم كانت البئر فوارة وعذبة وسعد بها كل سكان القرية ، وازدهرت الأرض ونما الزرع و أصبح لديهم أغناما وأبقارا ؛ وبعد فترة من الزمن ، قرر أحد الأبناء أن يبني بالقرب من البئر حماما لسكان القرية وكانت الفرحة عظمى لدى الجميع ؛أما عن الأخ فخسر الأرض وخسر محبة سكان القرية ؛ المهم يا ابنتي ، أننا نستخلص من هذه الحادثة أن بالعزيمة نستطيع التغلب على كل المصاعب ! "
إلتفتت الجدة لحفيدتها وقبلتها وقالت " حان وقت النوم غاليتي ، تصبحين على محبة وأحلام جميلة "
رفيعة الخزناجي /تونس
#هلوساتي
تعليقات
إرسال تعليق