الهدية للأديبة المبدعة د.رفيعة الخزناجي

الهدية

كانت تجلس لساعات طوال وراء ذلك المكتب ، منكبة على كتاب تقرأه بشغف شديد ، ترى قسمات وجهها تتغير من حين لآخر حسب المواقف والأحداث ،أحيانا تتلألأ دمعة في عينيها وكأنها نجمة في سماء ليلة صيفية ، تجعلك تحتار ولا تعرف أهي دمعة فرح أم دمعة حزن ، تعابير وجهها تبحر بك بعيدا وتسافر بك عبر الأزمنة ؛ فجأة طوت الكتاب ورفعت رأسها عاليا وتنهدت تنهيدة عميقة ، ثم فتحت درج المكتب ووضعت الكتاب به بكل عناية ، ثم أخرجت دفترا غلف بورق ذهبي وزين بورود رائعة ، يبدو وكأنه هدية من أحد يعزها وجدا ، نظرت إليه طويلا ثم فتحته وبدأت تقرأ سطورا خطت برقي ، فكنت تراها تبتسم تارة وتقلب الحاجبين أخرى ، تتعجب مرة وثانية تستنكر ، تفاعلات وجهها يجعلك تتوق لمعرفة ما تحتويه تلك الصفحات وما تحمل تلك السطور ، أنهت القراءة ثم مسكت قلمها وشرعت بالكتابة ...
" حبيبي ؟؟؟
اليوم ، ومنذ ساعة تقريبا ، أنهيت قراءة كتابك الذي أهديتني ، لن أعلق على أي حرف مما خطته يمناك ، ولن أنكر أي حديث أو ظرف من الظروف التي تم تدوينها ، لن أقول أنك أصبت في كل ما جاء بالكتاب أو أنك أخطأت أو تغافلت عن بعض الأمور ، كل ما تفضلت به هو واقع وحدث ذات يوم بيننا ومعنا ، كل ذلك كان من أروع ما حدث بالفترة التي قضيناها معا من عمرنا .... كانت أروع لحظات حياتي ولا أظن أنها ستتكرر أو ... لا أعرف ، كل ما أعرفه أنها كانت أيام عمري الحلوة ولا ولن تنسى أو تحذف من ذاكرتي ... حكم القدر بالفراق وانتهى المشوار ، وأصبحنا غرباء ولكن ليس كالغرباء ، لا أنكر أنني وبلحظات ضعفي أتوق لتلك الأوقات وأود رؤيتك وسماع صوتك ، أرغب في الركض وبكل قوتي والإرتماء بين أحضانك ، أرغب في سماع صوتك وجميل همسك ، أرغب في الحديث إليك وأن أشكرك وجعي وبأسي ويأسي .... لا أنكر أبدا ولا زلت ورب الكون أتألم وأتوجع ولكن جرحك لي ، كان جد عميقا ولا زال ينزف وبقوة ، لم أستطع أن أغفر لك ولم أستطع أن أسامح نفسي ، فعقابك هو عقاب لي وقسوتي عليك هي قسوة على نفسي ، لن أنسى ذلك المشهد ولم أستطع أن أبعده .... مازال يرافقني في حلي وترحالي وما زلت أصرخ ليلا وأنا نائمة وما زالت سكينك تذبحني بمنامي ... سامحك الله وسامحني على قسوتي ... كرامتي وكبريائي تمنعني من الانحناء أمام رغبتي الشديدة في العودة إليك .... انتهى المشوار وانتهت معه أحلى الأيام ... لن أغفر لك وكفى ...
شكرا على الهدية وباقة ورد مني لك
هذه آخر رسالة ستصلك مع دفترك الذي تركته هنا ... سأحتفظ بالكتاب فهو هدية والهدية لا ترد ... تحياتي والسلام
من كانت ذات يوم حبيبتك ! "

رفيعة الخزناجي
تونس
#هلوساتي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أمل كاذب ولا حقيقة مرة للأديبة د.هبة رعد

حُقَّ الوداع للشاعر د.قسطة مرزوقة

أنين العذارى للأديبة غاده بوشر